كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثانيها- وقال كعب بن مالك هو أيضًا طرف من حديث تقدم موصولًا في الملازمة؟ وفيها «وأشار إلى أن خذ النصف».
ثالثها- «وقالت أسماء» هي بنت أبي بكر.
صلَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف. الحديث تقدم موصولًا في كتاب الإيمان بلفظ «فاشارت إلى السماء»، وفيه: «فأشارت برأسها أي نعم». وفي صلاة الكسوف بمعناه. وفي صلاة السهو باختصار- إلى آخر كلامه. وبالجملة فجميع الأحاديث التي ذكرها البخاري في الباب المذكور كلها ثابتة في الصحيح موصولة. أما ما جاء منها موصولًا في الباب المذكور فأمره واضح. وأما ما جاء منها معلقًا في الباب المذكور فقد جاء موصولًا في محل آخر من البخاري.
والحديث الأول- دل على أن النّبي صلى الله عليه وسلم جلع إشارته إلى اللسان أن الله يعذب به كمطقه بذلك.
والحديث الثاني- جعل فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم إشارته غلى كعب بن مالك أن يسقط نصف ديته عن ابن أبي حدرد ويأخذ النصف الباقي منه كنطقه بذلك.
والحديث الثالث- جعلت فيه عائشة إشارتها لأختها أن الكسوف آية من آيات الله هي السبب في صلاة النَّبي صلى الله لعيه وسلم، كنطقها بذلك.
والحديث الرابع- جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم إشارته إلى أبي بكر رضي الله عنه أن يتقدم كنطقه له بذلك. وإيضاح ذلك هو ما رواه البخاري عن انس في باب (أهل العلم والفضل أحق بالإمامة).
قال أنس: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه فلما وضح وحه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرًا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا. فأومأ النبي صلى الله عليه ويلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم: وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات اهـ. هذا لفظ البخاري وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث في مرض موته وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بقليل إشارته إلى أبي بكر أن يتقدم ليصلي بالناس كنطقه له بذلك. لأن أبا بكر رضي الله عنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كشف الحجاب نكص على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة كما ثبت في صحيح البخاري في الباب المذكور آنفًا من حديث أنس، فأشار إليه أن يتقدم، وقامت الإشارة مقام النطق.
والحديث الخامس- جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم الفتيا بإشارة كالفتيا بالنطق. وأيضاحه هو ما رواه البخاري في كتاب العلم (في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس) حدثنا موسى بن إسماعيل، قال حدثنا وهيب. قال حدثنا أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته فقال: «ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده قال: ولا حرج، قال حلقت قبل أن أذبح. فأومأ بيده ولا حرج». ومن امثله الفتيا بإشارة اليد ما رواه البخاري في هذا الباب المذكور آنفًا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج. قيل: يا رسول الله، وما الهرج! فقال: هكذا» بيده فحرفها كأنه يريد القتل اهـ. فجعل صلى الله عليه وسلم إشارته بيده كنطقع: بأن المراد بالهرج القتل.
والحديث السادس- جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم المحرم إلى الصيد لينبه إليه المحل كأمره له باصطياده بالنطق، وقد قدمنا هذا الحديث في سورة (المائدة).
والحديث السابع- جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة إلى الركن في طوافه كاستلامه وتقبيله بالفعل.
والحديث الثامن- جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم إشارته باصبعه كعقد التسعين. لبيان القدر الذي فتح من ردم يأجوج ومأجوج كالنطق بذلك.
والحديث التاسع- فيه أنه جعل وضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر. مشيرًا بذلك لقله زمن الساعة التي يجاب فيها الدعاء بالخير يوم الجمعة. أو مشيرًا بذلك لوقتها عند من قال: إن وضع الأنملة في وسط الكف يراد به الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يوم الجمعة. ووضعها على الخنصر يراد به انها في آخر النهار، لأن الخنصر آخر أصابع الكف كالنطق بذلك. وذكر ابن حجر عن بعض أهل العلم. أن هذا الإشارة باليد لساعة الجمعة من فعل بشر بن المفضل رواي الحديث عن سلمة بن علقمة كما تقدم في إسناد الحديث. وعليه ففي سياق هذا الحديث عند البخاري إدراج.
والحديث العاشر- جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم إشارة الجارية التي قتلها اليهودي كنطقها بأن اليهودي قتلها، وأن من سمَّى لها غيره لم يكن هو الذي قتلها. وقد قدمنا هذا الحديث في سورة (بني إسرائيل) وبينا هنالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان جعل إشارة الجارية كنطقها لم يقتل اليهودي بإشارة الجارية القائمة مقام نطقها بمن قتلها، ولكنه اعترف بأنه قتلها فثبت عليه القتل باعترافه واقتص لها منه بذلك.
والحديث الحادي عشر- فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الفتنة من هنا» واشار إلى المشرق، فجعل إشارته إلى المشرق كنقطه بذلك.
والحديث الثاني عشر- فيه أنه صلى الله عليه وسلم أومأ إلى المشرق فقال: «إذا رايتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد افطر الصائم» فجعل إشارته بيده إلى المشرق كنطقه بلفظ المشرق.
والحديث الثالث عشر- جعل فيه الإشارة باليد غلى الفرق بين الفجر الكاذب والفجر لصادق بذلك.
والحديث الرابع عشر- قال فيه صلى الله عليه وسلم: «فهو يوسعها ولا تتسع» ويشير باصبعه إلى حلقه، فجعل إشارته إلى أن درع الحديد المضروب بها المثل للبخيل ثابتة على حلقة لا تنزل عنه ولا تستر عورته ولا بدنه كالنطق بذلك.
فهذه أربعة عشر حديثًا أوردها البخاري رحمه الله في الباب المذكور، وسقناها هنا، وبينا وجه الدلالة على أن الإشارة كالنطق في كل واحد منها، مع ما قدمنا من الأحدايث الدالة على ذلك زيادة على ما ذكره البخاري هنا.
وقد ذكر البخاري رحمه الله في أول باب (اللعان) خمسة أحاديث أيضًا كل واحد منها فيه الدلالة على أن الإشارة كالنطق ولم نذكرها هنا لأن فيما ذكرنا كفاية.
وقال ابن حجر في (الفتح) في آخر كالمه على احاديق الباب المذكورة. قال ابن بطالك ذهب الجمهور إلى أن الإشارة المفهمة تنزل منزلة النطق. وخالفه الحنفية في بعض ذلك. ولعل البخاري ردَّ عليهم بهذه الأحاديث التي جعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة قائمة مقام النطق. وإذا جازت الإشارة في احكام مختلفة في الديانة فهي لمن لا يمكنه النطق أجوز.
وقال ابن المنير: أراد البخاري أن الإشارة بالطلاق وغيه من الأخرس وغيره التي يفهم منها الأصل والعدد نافذة كاللفظ اهأ- ويظهر لي أن البخاري اورد هذه الترجمة واحاديثها توطئة لما يذكره من البحث في الباب الذي يليه، مع من فرق بين لعان الأخرس، وطلاقه، والله أعلم.
فهذه الأحاديث وأمثالها هي حجة من قال: إن الإشارة المفهمة تقوم مقام اللفظ. واحتج من قال: بأن الإشارة ليست كاللفظ بأن القرآن العظيم دل على ذلك، وذلك في قوله تعالى في الآية التي نحن بصددها: {فقولي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيًّا} فإن في هذه الآية التصريح بنذرها الإمساك عن كلام كل إنسي، مع أنه تعالى قال: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29] أي اشارت لهم إليه أن كلموه يخبركم بحقيقة الأمره فهذه إشارة مفهمة، وقد فهمها قومها فأجابوها جوابًا مطابقًا لفهمهم ما أشارب به: {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيًّا} [مريم: 29]، وهذه الإشارة المفهمة لو كانت كالنطق لأفسدت نذر مريم ألا تلكم إنسيًا. فالآية صريحة في أنا لكلام باللفظ يخل بنذرها، وأن الإشارة ليست كذلك، فقد جاء الفرق صريحًا في القرآن بين اللفظ والإشارة، وكذلك قوله تعالى: {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] فإن اله جعل له آية على ما بُشر به وهي منعه من الكلام، مع أنه لم يمنعمن الإشارة بدليل قوله: {إلا رمزًا}، وقوله: {فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ} [مريم: 11] الآية. فدل ذلك على أن الإشارة ليست كالكلام، لأن استثناءه تعالى قوله: {إلا رمزًا} من قوله: {أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس} يفهم منه أن الرمز الذي هو الإشارة نوع من جنس الكلام استثنى منه، لأن الأصل في الاستثناء الاتصال.
والله تعالى أعلم.
فإذا علمت أدلة الفريقين في الإشارة، هل هي كاللفظ أو لا- فاعلم أن العلماء مختلفون في الإشارة المفهمة، هل تنزل منزلة اللفظ أو لا. وسنذكر هنا إن شار الله تعالى جملًا من أقوال أهل العلم في ذلك، وما يظهر رجحانه بالدليل.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في (فتح الباري) في آخر (باب الإشارة في الطلاق والأمور) ما نصه: وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة. فأما في حقوق الله فقالوا: يكفي ولو من القادر على النطق. وأما في حقوق الآدميين كالعقود والإقرار والوصية ونحو ذلك فاختلف العلماء فيمن اعتقل لسانه. ثالثها عن أبي حنيفة إن كان مأيوسًا من نطقه. وعن بعض الحنابلة إن اتصل بالموت، ورجحه الطحاوي. وعة الأوزاعي إن سبقه كلام، ونقل عن مكحول إن قال: فلان حر ثم أصمت فقيل له: وفلاة؟ فأومأ صح. وأما القادر على النطق فلا تقوم إشارته مقام نطقه عند الأكثرين واختلف هل يقوم منه مقام النية، كما لو طلق امرأته فقيل له: كم طلقه؟ فأشار بأصبعه- أنتهى.
وقال البخاري في أول (باب اللعان) ما نصه: فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة أو إشارة أوإيماء معروف فهو كالمتكلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز الإشارة في الفرائض. وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم، وقال تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيًّا} [مريم: 29]. وقال الضحاك: {إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] إشارة. وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان. ثم زعم أنه إن الطلاق بكتابة أو إشارة أو أيماء جاز وليس بين الطلاق والقذف فرق، فإن قال: القذف لا يكون إلا بكلام قيل له: كذلك الطلاق لا يكون إلا بكلام وإلا بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق. وكذلك الأصم يلاعن. وقال الشعبي وقتادة: إذا قال أنت طالق- فأشار بأصابعه- تنبين منه بإشارته. وقال إبراهيم: الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه. وقال حماد: الأخرس والأصم إن قال براسه جاز: انتهى محل الغرض من كلام البخاري رحمه الله.
ومذاهب الأئمة الأربعة متقاربة في هذه المسألة، وبينهم اختلاف في بعض فروعها.
فمذهب مالك رحمه الله: أن الإشارة المفهمة تقوم مقام النطق. قال خليل بن إسحاق في مختصره، الذي قال في ترجمته مبينًا لما به الفتوى- يعني في مذهب مالك- الكلام على الصيغة التي يحصل بها الطلاق. ولزم بالإشارة المفهمة. يعني أن الطلاق يلزم بالإشارة أو بكتاب من طلق أو خلع أو عتق أو نكاح. أو بيع أو شراء أو قذف لزمه حكم المتكلم.
وروى الباجي. إشارة السليم بالطالق برأسه أو بيده كلفظه، لقوله تعالى: {أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] اه منه. ورواية الباجي هذه عليها أهل المذهب. ومذهب أب حنيفة رحمه الله: أن إشارة الأخرس تقوم مقام كلام الناطق في تصرفاته، كإعتاقه وطلاقه، وبيعه وشرائه، ونحو ذلك. أما السليم فلا تقبل عنده إشارته لقدرته على النطق. وإشارة الأخرس بقذف زوجته لا يلزم عنده فيها حد ولا لعان. لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وعدم التصريح شبهة عنده. لأن الإشارة قد يفهم ما لا يقصد المشير. ولأن أيمان اللعان لها صيغ لابد منها ولا تحصل بالإشارة وكذلك عنده إذا كانت الزوجة المقذوفة خرساء فلا حد ولا لعان عنده. لاحتمال أنها لو نطقت لصدقته، ولأنها لا يمكنها الإتيان بألفاظ الأيمان المنصوصة في آية اللعان. وكذلك عنده القذف لا يصح من الأخرس. لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وقال بعض العلماء من الحنفية: إن القياس منع اعتبار إشارة الأخرس، لأنها لا تفهم كالنطق في الجميع، وأنهم أجازوا العمل بإشارة الأخرس في غير اللعان والقذف على سبيل الاستحسان، والقياس المنع مطلقًا. ومذهب الشافعي في هذه المسألة اعتبار إشارة الأخرس في اللعان وغيره. وعدم اعتبار إشارة السليم.
وأما مذهب الإمام أحمد- فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا لعان إن كان أحد الزوجين أخرس، كما قدمنا توجيهه في مذهب أبي حنيفة. وقال القاضي وأبو الخطاب: إن فهمت إشارة الأخرس فهو كالناطق في قذفه ولعانه. وأما طلاق الأخرس ونكاحه وشبه ذلك فالإشارة كالنطق في مذهب الإمام أحمد. وأما السليم- فلا تقبل عنده إشارته بالطلاق ونحوه.
هذا حاصل كلام الأئمة ويرهممن فقهاء الأمصار في هذه المسألة. وقد رأيت ما جاء فيها من أدلة الكتاب والسنة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر رجحانه في المسألة: إن الإشارة إن دلت على المعنى دلالة واضحة لا شك في المقصود معها أنها تقوم مقام النطق مطلقًا، ما لم تكن في خصوص اللفظ أهمية مقصودة من قبل الشارع، فإن كانت فيه فلا تقوم الإشارة مقامه كأيمان اللعان، فإن الله نص عليها بصورة معينة. فالظاهر أن الإشارة لا تقوم مقامها وكجميع الألفاظ المتعبد بها فلا تكفي فيها الإشارة، والله جل وعلا أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا} أي إمساكًا عن الكلام في قول الجمهور. والصوم في اللغة: الإمساك، ومنه قول نابغة ذبيان.
خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

فقوله: (خيل صيام) اي ممسكة عن الجري. وقيل عن العلف، (وخيل غير صائمة) اي غير ممسكة عما ذكر وقول امرئ القيس.
كأن الثريا علقت في مصامها ** بأمراس كتان إلى صم جندل

فقوله: (في مصامها) أي مكان صومها، يعنى إمساكها عن الحركة. وهذا القول الصحيح في معنى الآية. أن المراد بالصوم الإمساك عن الكلام، بدليل قوله بعده {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيًّا} وهو قول أكثر أهل العلم. وقال ابن حجر (في الفتح في باب اللعان). وقد ثبت من حديث أبي كعب وأنس بن مالك: أن معنى قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا} أي صمتًا. أخرجه الطبراني وغيره اهـ. وقال بعض العلماء: المراد بالصوم في الآية: هو الصوم الشرعي المعروف المذكور في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]. وعليه فالمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم حرم عليهم الكلام كما يحرم عليهم الطعام، والصواب في معنى الآية الأول. وعليه فهذا النذر ولا يجب الوفاء به. قال البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: بينا النبي يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم. «مره فليتكلم، وليستظل وليقعد وليتم صومه» قال عبد الوهاب: حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال ابن حجر (في الفتح) في الكلام على هذا الحديث وفي حديثه أن السكوت عن المباح ليس من طاعة الله: وقد أخرج أبو داود من حديث علي «ولا صمت يوم إلى الليل» وتقدم في السيرة النبوية قول أبي بكر الصديق إن هذا (يعني الصمت) من فعل الجاهلية، وفيه: أن كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيَّته كتاب أو سنة، كالمشي حافيًان والجلوس في الشمي ليس هو من طاعة الله، فلا ينعقد به النذر، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره. وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه. وأمره أن ينعقد ويتكلم ويستظل. قال القرطبي: في قصة أبي إسرائيل هذه أوضح الحجج للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية، أو ما لا طاعة فيه. قال مالك لما ذكره: ولم اسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة. انتهى كلام صاحب (فتح الباري). وقد قال الزمخشري في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها: وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت. فقال ابن حجر في (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف): لم أره هكذا. وأخرج عبد الرزاق من حديث جاب بلفظ «لا صمت يوم إلى الليل» وفيه حزام بن عثمان وهو ضعيف. ولأبي داود من حديث علي مثله، وقد تقدم في تفسير سورة (النساء).